الانتفاضة تنسف أسطورة الميركافا-3 الإسرائيلية

 
:

أ
حدث تدمير المقاومة الفلسطينية لدبابتين من طراز ميركافا - 3 خلال شهر جملة من ردود الافعال في عدد من الاوساط العسكرية، حيث كشفت عن مكونات جديدة في مجال الرد النوعي للمقاومة· وتكمن اهمية هذه العملية ليس فقط في دلالتها العميقة بالنسبة لحدود القوة الفلسطينية الكامنة ، والتي بدأت تظهر تجلياتها خلال مسيرة الانتفاضة الراهنة، ولكن ايضا بالنسبة لطبيعة الدبابة ميركافا - 3 ودورها في مسرح العمليات، وهي الدبابة التي لطالما تغنى الاسرائيليون بأنها الاحدث والاكثر تطوراً في العالم·
والواقع ان كلمة ميركافا باللغة العبرية تعني المركبة الحربية ، وقد اختير هذا الاسم للدلالة على أن الدبابة الميركافا تجمع عدة خصائص ، ولا تقتصر على أن تكون دبابة فقط ، وبمثل ما يشكله ذلك من مميزات افتراضية لها ، فإنه أيضا يفرز بعضا من أهم مشاكلها·
لقد تم تصميم تلك الدبابة من واقع الخبرات المكتسبة من حرب أكتوبر ،1973 حيث تولى الجنرال الاسرائيلي يسرائيل تال - الذي كان يعمل رئيسا للعمليات في رئاسة الأركان خلال تلك الحرب - تصميم الدبابة أو المركبة الجديدة ، انطلاقا من عقيدة القتال الاسرائيلية القائمة على سرعة المناورة والحركة والعمل الهجومي، خاصة وأن القوات الاسرائيلية تعمل باستمرار من خطوط داخلية تتطلب انتقال القوات عبر الجبهات المختلفة· كما أن مسارح القتال يجب أن تعمل من خلالها قوات مدرعة إلى جانب قوات مشاة ميكانيكية ، وحتى لا تنفصل القوات عن بعضها، فقد تم تصميم المركبة الجديدة بحيث تحمل مشاة إلى جانب طاقم الدبابة نفسها·
ونموذج الميركافا الأساسي ، هو تعديل لنموذج الدبابة 60 ح الأميركية الصنع، كما أن العديد من أجزائها هو نفسه المستخدم في الدبابة الأميركية، إلى جانب التطويرات التي تمت في المصانع الاسرائيلية، ومنها تصنيع العديد من أجزاء الدبابة، علاوة على تزويدها بالدروع الاضافية، ووسائل الاتصال، ودوائر الانذار، وأجهزة التنشين وتقدير المسافة
·

تطوير مستمر

وقد ظهر النموذج الأول من الميركافا ( ميركافا-1 ) لأول مرة عام 1979 ، واستخدم في حرب لبنان عام 1982 ، وكان هذا التصميم يهدف إلى تحميل عدد أكبر من المشاة الميكانيكية يصل إلى 8 أفراد، لكن جاء ذلك على حساب قدرات الدبابة نفسها، مما تطلب سرعة تطوير ذلك النموذج ، وهو ما حدث عام 1985 متمثلا في الدبابة ميركافا -2 المسلحة بالمدفع 105 مم · ثم ظهرت الميركافا -3 اعتباراً من عام ·1990 وبدأ العمل في تطوير الأجيال السابقة لتكون بنفس كفاءة الطراز المعدل·
والميركافا -2 ، ( وكذلك 3 ) تتميز عن الميركافا -1 ، بأنها أطول بحوالى 50 سم، وأعلى 10 سم ، وأكبر مدى بحوالى 100 كيلومترا، وأسرع بحوالى 9 كم / ساعة وأكثر قدرة على تسلق الموانع·
أما الفارق ما بين ميركافا-2 ، وميركافا-3 ، فهو أساسا في عيار المدفع الرئيسي، حيث زودت الدبابة ميركافا -3 بالمدفع عيار 120 مم الأميركي المزودة به الدبابة 1ء1ح الأميركية·وفي نفس الوقت، تم تقليل أعداد أفراد المشاه داخل الدبابة بحيث يكون في حدود أربعة أفراد ، وجاري حاليا تطوير الدبابة ميركافا-3 ، في طراز جديد هو ميركافا -4 ، لتلافي العيوب الرئيسية ، وتزويدها بإمكانيات أكثر من ناحية القدرة على المناورة، وميدان الرؤية ووسائل الاتصال والتعاون·
وتمتلك إسرائيل حتى الآن حوالى 1200 دبابة ميركافا من الطرازات الثلاثة، وهي تمثل حوالى 30 في
المئة من إجمالي عدد الدبابات الاسرائيلية·

خسائر كبيرة·· وحماية متطورة

تكمن الفكرة الرئيسية التي صممت عليها الميركافا في قدرتها على توفير أكبر درجة من الحماية للدبابة نفسها، وطاقمها، وذلك نتيجة الخسائر الهائلة التي حدثت في الدبابات الاسرائيلية خلال حرب أكتوبر - ·73 ولذلك فإن الوقاية تحددت في الآتي:-
1- تصميم درع الدبابة ليكون من الطراز المزدوج·
2- تزويد جميع الدبابات بالألواح الواقية للدروع، والتي وصلت الهندسة الاسرائيلية بخصوصها إلى تصميم نماذج متقدمة لوقاية أجناب الدبابة·
3- وضع غطاء واق للرأس لقائد الدبابة لحمايته من النيران غير المباشرة، لأن قائد الدبابة طبقا لأساليب القتال الاسرائيلية يظهر جزء منه خارج الدبابة للمراقبة·
4- امتداد الدروع الواقية الخارجية ليشمل الجزء الأعلى من الجنزير، إلى جانب خزان الوقود، وموتور الدبابة·
وعموما ، فإنه على الرغم من أهمية تطوير وسائل الوقاية ، فإنه لايمكن تصور وجود حماية كاملة، فالدروع في ميركافا - بطرزها المختلفة - لا تحمي أسفل الدبابة، والتي تتعرض للألغام أو المفرقعات المزروعة ، كذلك فإن السطح الأعلى للدبابة يعتبر معرضا أيضا، حيث ان إحدى المهام الرئيسية للطيران هي العمل ضد القوات المدرعة، وأصبحت هناك وحدات متخصصة لذلك من الطائرات الهيلكوبتر مثل الأباتشي ، والكوبرا وغيرها· أضف الى ذلك ان المقاتلات القاذفة تزود بمستودعات صواريخ وقنابل مضادة للدبابات· هذا إلى جانب تأثير المدفعيات المضادة على الدبابة
·
وبالتالي، فإن هذه الدروع لا توفر تأميناً إلا بنسبة حوالى 50 في المئة فقط، وهي احتمالات الاصابات بالأسلحة الأرضية·

مشاكل ميركافا - 3

يضاف إلى ذلك أن عملية التركيز على وسائل الوقاية تعتبر سلاحا ذا حدين ، فهناك - في الواقع - العديد من النظريات في أسلوب استخدام واقيات الدروع في الدبابة، منها ما تعتنقه الولايات المتحدة ، وهو أن تحقيق كثافة النيران، وسرعة الأداء، والسيطرة على المسرح سيؤدي حتما إلى توفير الحماية للدبابات، لذلك تهتم بعنصر سرعة دباباتها ، حيث تصل سرعة الدبابة 1ء1ح إلى 67 كم/ ساعة ، كذلك تهتم بالكثافة النيرانية التي تصاحب عمل الدبابات، بدءا من الطائرات الهيلكوبتر التي تصاحب الدبابات ،انتهاء بالضربات الجوية لتمهيد الميدان لعمل الدبابات·
الوجه الآخر لتلك المسألة - في إطار أسلوب إسرائيل الخاص باستخدام الدروع - يوضح مشكلة دبابات ميركافا ، فتحميل الدبابة بالدروع يقلل كثيرا من كفاءة الدبابة نفسها، ويحد من كفاءة الطاقم ، فالدبابة تكون أثقل، وبالتالي تتأثر السرعة والمناورة، وفتحات الرؤية تكون محدودة، وبالتالي لا يجيد الطاقم المراقبة بكفاءة تامة، كما أن إمكانية الاصلاح الفوري للأعطال تكون محدودة نتيجة متطلبات فك العديد من الدروع الواقية للوصول إلى مكان العطل·· وهكذا ·
في هذا الإطار ، توجد بعض العيوب الرئيسية الواضحة في الدبابة الميركافا -3 ، أهمها : 1 - وجود موتور الدبابة في الأمام، وهذا يؤدي إلى إعاقة مدى البصر والنيران لطاقم الدبابة والمدفع الرئيسي، وبالتالي يجعل الأرض الميتة أمام الدبابة كبيرا·
2- أن وجود أفراد مشاة داخل الدبابة، تم تدبيره على حساب حجم الذخائر المزودة بها الدبابة، ومدى الراحة المتوفرة داخل الدبابة، التي تؤدي إلى كفاءة الطاقم في تشغيلها والقتال من خلالها·
3- أنها لم تحقق مستويات الدبابة 60ح المأخوذة عنها، سواء من ناحية الحجم أو القدرة على اجتياز الموانع، علاوة على أن قدرة الدبابة 60ح تعتبر كبيرة في المناورة أو وضوح مدى النيران والرؤية، وهذا ما لم يتحقق لميركافا·
أما مقارنتها بالدبابة 1ء1ح كما يوضح الجدول المرفق ، فتعتبر لصالح الأخيرة بشكل شبه مطلق
·

ضربات الانتفاضة

و
لقد أكد تدمير الدبابة ميركافا -3 في قطاع غزة ، يوم 14 فبراير (2002) الماضي، وما تبعه من تدمير دبابة أخرى الأسبوع الماضي وقبل مرور شهر على العملية الأولى على وجود بعض المشكلات التي تمت الاشارة إليها بشكل واضح ، خاصة وأن هذه العمليات تمثل امتداداً لحادثين مماثلين في جنوب لبنان ومزارع شبعا، خلال العامين الماضيين · فلقد أثبتت تلك الحوادث ، أن الدبابة ميركافا لم تتحقق لها إمكانيات المقاومة التي كانت تتمناها إسرائيل، وتم تدميرها بأعمال مقاومة، وبالتالي فإن كفاءتها في أي حرب نظامية سوف لن تكون في صالحها بالضرورة·
كما أثبتت كذلك أنها ليست بالدبابة التي يمكن إشراكها في حرب مدرعات كاملة، وليست بالمركبة المدرعة التي تنقل أفراد مشاة ميكانيكية، وبالتالي فإن دراسة الجدوى محكوم عليها بالفشل، كذلك فإن تكاليف تصنيفها لا تحقق مبدأ الاقتصاد التي تحرص إسرائيل على تطبيقه·
لقد كانت مخلفات الدبابة الناتجة عن حادث غزة شديدة بدرجة أدت إلى قيام المخابرات الاسرائيلية بمنع نشر صورها، وربما يدل ذلك على أن هناك عيبا رئيسيا في تصميم الدبابة نفسها أدى إلى تأثرها الشديد بالانفجار، أو أدى الى تفجير الذخائر التي تحملها الدبابة داخلها·
والحاصل أن دبابات الميركافا لم تختبر عملياً في حروب حقيقية ، بحيث يمكن تقييمها بشكل جاد أو نهائي ، خاصة وانه يتم تطويرها باستمرار، لكن من الواضح حتى الآن أن تلك الدبابة، التي تحاول الدعاية الاسرائيلية تصويرها على أنها سلاح حاسم في المعارك القادمة، أو أنها واحدة من أفضل الدروع في العالم ، ليست إلا نموذجا عاديا من الدبابات تشوبه عيوب كثيرة، ويمكن من خلال تدميره حصد عدد أكبر من الجنود الذين تحرص إسرائيل على سلامتهم